16 يناير 2012

من أنا ؟


حين غامرتُ بإفتتاح هذهِ الصفحات الإلكترونية.. لم يكُن هدفي على غير العادة أن أزخرفَ أحرُفي، أو لأن ألعبَ بمصطلحاتِ اللغَة، و تعابير الجمال الكامن فيها و أتلونَ معهُ .. و لا لأن لأبهِر القارئ الذي لم أكن أنفَك سنيناً من ملاحقَتهِ حتى قتلني بانتقاداتِه  و إطرائِه !

أنا هُنا لأحيا من جديد.. و لأحيّ الأدب الذي يُسكرُني حد الثماله .. و يفيضَ بي في المُنتصفِ الأخير من الليل
أنا هنا لن أكون كما يعهدونَ " كتومَة " بل سأحطُم صدريَ المَكبوتُ بما فيه،
و سأصهَر ذاتي ملئ أعيُنكُم و دون أن أمحي حرفاً .

سَمر هيّ أنا.. إبنةُ الرحِم البكر، المَلفوفة بِقُصاصةِ بيضاء رُميتُ على قارعَة الغُربة و التي أنتمي لها أكثر من وطنٍ أحملُ بينَ بياناتي اسمَهُ فقيل مصرية !

سمر هي فتاة مُختلفه في أشياء كثيرة عن من يحيطون بها، قد يُكسبها هذا صفة التميز لكنها لا تُحبذهُ فهو يخلقُ جواً متوتراً بينها و بينَ من تعاملهُم ...
هي فتاه خجولة، عاطفية، هادئة جداً و متملكَة لأعصابها جيداً،غامضة.. فنادراً ما تتحدثُ عن نفسها، حتى أن أعز صديقاتِها قد لا يَكُونّ يعرفن شيئاً عنها. 

تدعَمُ من حولها و تكرهُ أن يدعمها أحد، هي قد تموتُ غرقاً على أن تصرخَ طالبةً النجده؟ برأيها من هم أكفاء ليفعلوا ذلك، سينقذونها حتى دون أن تصرخ ... تُقدسُ الذكريات ، و الصداقَة، تُحبُ والديها جداً،
إذا وعدت بشيء وفت به، تحبُ إلتزام مواعيدها، و التخطيط لكُل شيء قبل القِيام به بفترة، تخلصُ لأي شيء حين تؤمن به
 لا تذكر من ماضيها سوى الأمس و تعملُ دائماً للمُستقبل فهي ذاتَ طموحِ و أمل.


كم تطَلعتُ لأن أكتشِفَ الفضاء الشاسِع ، فحلمتُ بدراسةِ علومَ الفلك  منذُ نعومة أظفاري .. و صرتُ مهوسةً بهذا الحُلم .. و لن أخدعك إن قلتُ أن عثَة كتُب هذا العلم هي صديقتي الأولى !
 لكنَ رياحَ الأيام حولت دفتي إلى علم المايكروبيَولوجي Microbiology أعني " علم الكائنات الدقيقة " فياللمُفارقة !
 
أهوى أشياءَ كثيرة.. فأنا أتعَلمُ بسُرعة و أحبُ الإكتشاف و الإستِطلاعَ على كُل ما هو جديد، لكن الأقربَ إلى نفسي هي هواية الرَسم، لأنها كانت أولى هواياتِي في البُزوغ، و يحملُ لي ذكريات تَربِطُني بصديقتي - رحمَها الله - كما أعشَقُ القراءة و الكتابة، و هذهِ الأخيره لم تظهر إلا من بضع سنَوات

لي في ساحةِ التصميم بعضُ اللوحات التي أفخَرُ بها ،و بعدستي مشاهد هيّ جوهرُ الماضي .. أحبُ تصفُح الإنترنت، و ارتياد المواقع الأدبية، والتعرفُ على أنواع البرامج المُختلفه و اتقَان استِخدامها كبرامج الميديا و الهندسَة الصوتية.


اليَومُ أنا هُنا لأسجل همسات قلمي، و نبضاتٌ من يومي.. فتكونَ هذهِ الصفحات هي وسيلتي لأكتُب من جديد
و لأوصلَ أخباري لمن منعتني الأيام عن مُراسلَتِهُم ..

فَشُكراً لكُل من مر من هُنا قارئاً صامتاً أو مُطِراً يتركُ أثراً
أقبلتُم أهلاً و وطئتُم سهلاً ..

سمر المَلاح ..
... ! LuB DuB

ثمة ضوء افتح النافِذة ..



ثمة ضوء يتسلل من براثن السيتار
و يحبو الي .. 
وحدة القلم الذي يشد على يديّ لأنقِذة 
و قبل أن يحل الظلام و يتلاشى في سويداء الأيام
ها هي النوافذ تطلقُ سراحَة .. و يغدوا ملئ أعيُنِكُم 


هسماتٌ رقيقة تحملها لكُم الأضواء ما بين الحين و الآخر 
فتابعوا .. 
 

قصَة قصيرة - مسخُ الغُربة


مُذ كنتُ صغيرة و أنا لم تَعرف قدماي سِوى تربةِ وطنٍ واحد، نموتُ بين ضفافة فاكتسبتُ عاداته و تقاليده و انغمسَ لساني في قَدح لهجته، فتَجرعتُ حروفها طيلة ثلاثةَ عَشرة سَنة، هِي مدة كافية لجَعلي أنسَى التربة التي احتضنت جذور أسرتي أو بالأحرى أصلي، و فقدت معها أي ذكرى كانت تربطني بأتراب صِباي مستبدلاً إياهم بأبناء هذه الأرض و مُنزوياً عن كل من يتأصَل من جُذوريّ الأصلية.

كُنتُ كسلحفاةٍ حَديثة النشأة تغادرُ موطنها ما إن تفقس من بيَضتها و لا تعود له أو هكذا ظَننتُ في البداية، و لكن تمر الأيام لا يكون أمام الطير المهاجر سِوى أن يعود إلى حَيث قضى فترة طفولته .

منذُ دخلت في السادسه من عُمري وجدتُ نفسي أسكنُ الغربة و التي حَملني عليها عملُ والدي الذي لم يكن مُهتماً بذكر الماضي الذي كُنت أعيشة في وطني، أو حَتى ذكر أمي؛ فهذا بمَثابة عَودتة للصراع العائليّ الذي حملهُ على الهجره و لهذا كنتُ أستجيبُ له بعدم فتح نوافذَ على ماضيهِ المؤلم.. لا أدري إذا كان كذلكَ بالنسبة لي أيضاً ؟

كل ما كان يَدور حولي كان يُجبرني على تَقمُص جِنسية أرض الغربة ؟ أذكر يوماً أن زميلتي سألتني عن الدُول التي زُرتها فأجبتُها قائلة "الُّسعودية، عُمان و مِصر .. أتعلمين أنا في الأصل مِصرية"
نظرتها حِينها لا يمكن أن أنْساها، كانت تتَقلب بين الشكِ و اليقين، انتهت بقَولها .."أتمَزحين يا ملك .. لا لن تخدعيني، أنتي أماراتية حتى أخْمصِ قدمكِ.. دعينا من هذا الموضوع أسلوبكِ في التمثيل مُقنع.. كدتُ أن أصدقكِ؟".

كانَ عليها الإنساطُ لهم.. أن تخدَع عقلها الذي لا يتوقف عن النّبض الا باسم الإمارات، و تُزورَ حقيقةً لا تُثبتُها إلا الأوراقُ الرسمية.
تعالى صَوتُ الهاتف ذات ليلة ليقطع سُكونَها الذي لم يكن يَضجُ سوى بصوتِ والدها في ساعة متأخرة من الليل بعد عودته من العمل، ارتبطت بهِ منذ الصغر؛ فما إن فتحتُ عَينيها على الحياة، و هي لم تجد أماً ترعاها و لهذا كان والدها يُمثُلُ لها الأبَ و الأم سواء.. استَجابت لرنينِ الهاتف المُلح، فالتقط السَماعَة و أجابتهُ قائلة "مرحباً أبي.. متى سَتعود لقد.
لكنَ المتصل لم يكن والدها، أو أيّ شخصٍ تعرفُه لقد كان صَوت رجلٍ يقولُ متجاهلاً عبارتها "السّلامُ عليكُم .. هل هَذا هو مَنزل السّيد محمد الشريف .." .

أُصيبت بالخيبة فوالدها لم يكُن المُتصل و لكن شُعور الخَوف و القَلق عاد ليقذِف بها بين لظاهُ المشّتعلة.أجَابتهُ "أجل"
قال الرجل و هو يَزفر ببؤس "أنا آسف لكِنني مُضطر لأنقل لكِ هذا الْخَبر .. والدكِ قد أصِيب بحادثٍ أودى بِحياته و...

لم تَستمع ملك للمزيد فَقد كان هذا كافياً.. كافياً جِداً لِجعلها تُلاشي أي شُعورٍ يَقترب مِنها فَقد كانت الأرضُ سَماءً بالنسبة لعقلها المضطرب و الْجُدارن أراجِيح لا تَكف عن التَمايل و الإلتفاف، أنفاسُها كانت تُجاهد للتشبُثِ بصدرهَا المتثاقل و المُتأجج بصَوت شَبية بِقرع طبولِ الْمعركة.

و تمر الأيام و تثبت لها صدق المتُصل و حقيقة كونها أنها أصبحت وحيدة الغربة، و أن بنود الإقامة تُجبرها على أن تغادر الإمارات إثرَ موت كَفِيلها.

بعد طُقوسٍ طويلةٍ من البكاء، و عِناقاتٍ حارة بادلتها رَفيقاتها، حَلقت لطبقاتِ الجو الْعليا، و شَريط ذكرياتِها الذي عاشَتهُ على هَذه الأرضِ يَمر قُبال عيَنيها التي أدمَتها سُيول العَبرات.

حاولت أن تجمع شِتات نفسها المُتهاوي ليحتَضنَ الأرض التي خَلفتها بحفنةٍ من تُرابها الذي خبأتهُ في ركن حقيبتها، و بذكرياتها المتشبثة بكل جزء منها.
في حين كان عزائها الوحيدُ هو أن الحاضر اختارتهُ سيَكون على أرض وطنها و بينَ عائلتها التي طالما حلمت أن تعرفَ من هُم، بل حتى ماذا يعني اللفظُ نفسُه، و مَشاعِرُه.


و ما أن هبطت الطائرة حتى سارعت لتلتقِط أمتعتها و تضعها على العربة، و التي كانت أثقَل من أن تَجُرها، عقدت حاجبيها ثم تمتمت في سرها " لا.. لا أنا أقوى منكِ منذُ شهور أكملتُ السابعة عشرة، و لن تتغلبي عليّ ؟" .
قطعَ شرودها اصتدامها بأحد المسافرين فتدحرجت أمتِعَتها من العربة و اختلطت بأمتعته، كانَ رجلاً ضخمَ الجُثة لهُ شقً طوليّ على خدهِ الأيمَن يمتدُ لأربع انشات تقريباً، بدى شكلهُ مرعباً لدرجةِ أنها لم تُحاول أن تطيل النظَر له و انحنت لتلتقط أمتِعتِها و تراتيلُ الإعتذارتِ تَفيضُ منها.
في حينِ بترَ هو عباراتَها بقولهِ .."غبية كان عليكِ أن تنتبهي أكثر أين والدكِ ..أما كان عليه هو أن يجرها؟.. يا لهُ من مُهمل ؟"
لم ينفَك عن الضَغطِ على أسنانهِ بعصبية و هو يلتَقطُ أمتعتهُ ثم غادر تاركاً إياها تتألم اثرَ عبارته الأخيرة.
تنهدت بحرقة ثم عاودت رفع امتعتها بصعوبة مما جعل أحد موظفي المطار يقترب منها هامساً" هل لي أن أساعدكِ آنستي ".

رسمت ابتسامه على وجهها لا تكاد تبدو مقوسة "فضلاً سيدي".
فساعدها على حملها حتى خرجت من المطار و أوقف لها سيارة أجرة ثم فتح بابها و ابتسم لها فبادلته الإبتسامة؛ فهي لم تكن لتتوقع هذا اللطف من أي شخص هنا.. و هذا ما أوحى لها موقفها السابق مع ذلك الرجل الغاضب.
ما إن همت بالركوب انتظرت أن يغلق الموظف باب السيارة لكن الإبتسامة لم تفارق ثغره، انتبهت ملك لمقصدهِ و عضت على شفتيها "آنا آسفة حقاً .. لقد نسيت".

ضحكتُ في نفسي حينها .. كيفَ ظننتُ أنه يساعدني بوجه الشفقة .. هذا ما أوحى لي موقفي السابق مع ذلكَ الرجُل الغاضب، فمددتُ يدي لمحفَظتي و التقطت بعضاً من الأوراق النقدية و سلمتها له دون أن أعدها؛ فأنا للآن لا أعرف قيمة هذه العملة الجديده أو كيف أتعامل معها.
انطلق بي السائق الى حيث العنوان الذي ناولته له - إلى بيت جدي - كنت أحاول قدر الامكان ألا أنظر من النافذه فهذا يزيد من شعوري بالضياع.

قطع تفكيري صوت السائق "آنسة.. مرحبا بك في مصر.. يبدو أنك سائحة من احدى دول الخليج أليس كذالك، هذا ما توحية لي ملابسك؟" حركتُ رأسي نافية لسؤاله، دون أن أنظر إلى صورته المنعكسة في المرآة و التي كان يختلس النظر لي منها بين الفنية و الأخرى مُمطراً سكوني بأحاديث كنت أتجنب أن أخوضها معه؛ فأنا لم أعتد الحديث مع الغرباء.
و لا أحبذ أن أتحدث عن الماضي فقد عزمتُ على أن يكونَ بالنسبة لي كقصة قرأتها في احدى اللياليو في الصباح كان علي أن أنساها؛ كيّ لا أعيشَ على أملِ حاضر أفضل .. لا مواقفَ فيه تدعو للمفارقة بينَ ما مرَ عليّ و ما سَيمُر، ففي النهاية فأنا في الأصل مصرية و الإمارات ستظل أقرب الدول إلى نفسي، نعم هي ستَظلُ كذلكَ فقط !

قطع شرودي صوت السائق و هو يقول" لقد وصلنا يا آنسة".
شككت في كلامة في بادئ الأمر؛ فقد كانَ كل شيء مُختلف عن الصورة التي رسخَت في ذهني منذُ سنوات..بدى المنزل من الخارج فخم البناء، بحديقة تلفهُ من جميع الجهات،في احدى زواياهُا رجَل عجوز مُقعد يتنَقل على كُرسيّ متَحرك بين أركانها .. ما إن رآني أقترب من الباب هَلِعاً .

تراءى لي حينها شبح دمع تكون في عينيهِ، و كأنه يعرفني.. و تلكَ دموعُ فرحٍ بمرآيّ مُجدداً؟
نطق اسمي بشيء من التردد "ملك.. أنتي ملك أليس كذلك؟"

أجبته بإيجاب، فاقترب مني مُشيراً إلي بالإقتراب منه ففَعلت، مَد يدهُ إلى وأخذني إلي أعماق صدره الدافئ و همس لي بحب "أنا جدك ملك..جدُك، أم تراك نسيتي من كان يحملك أكثر من والدك، حتى أنك لم تكوني تطمئنين في نومك إلا إذا نمت معي،.. آه ملك لقد اشتقت إليك...."
لا ادري لما هطلت عبراتي حينها ،فللآن أنا لا أراهُ سوى مجرد عجوز أغدقني بعناق حنون وصار يَقُصُ علي مواقف لست أذكر أيا منها؟

كم كنت بائسة حينها برغم العطف و الود الذي مَنحني إياه فلستُ أستطيع أن أقابلهُ بأي شيء منها بل و نقلت إليه خبر موت إبنهِ.
كان لطيفا معي مذُ دخلت إلى منزله و عاملني بكل رفق..رغم ذلك لم أكن أكن له سوى مشاعر الغريب الذي التقيته في الحديقة ذات يوم فرحب بي و أسكنني معه؟ كم ذكر لي أنهُ كان يتغنى بلحظةِ عودتي و لكن النُوتة لم تكَتمل بموت أبي فكنت أنا له الإبن و الحفيدة سيان.
ما ان قمت بفتحِ حقائب سفري حتى عَرفت ان احداها قد استبدلت بحقيبة للرجل الذي اختلطت حقائبي بحَقائبه في المطار، وعندما أرجعتها لأمن المطار قاموا بتفتيشها فوجدوا بها كمية من المخدرات و بعد التحقيقات عَرفت أنه كان مُهربا لها عرضت علي الشّرطه صوراً لمن يشتبهونَ بهم لكنني لم أتعرف على أيها كان أو هكذا أردت؛ فلا يهمني أمر هذه الدولة أو أمنها فأنا و لم أشعر أبداً بأي انتماء لها ..أو أن هذا ما أتظاهر به أمام الناس ؟
و بعدَ فترة أغلق التحقيق في سِجلاتِ الشُرطة و أسند لمجهول .

ذات صَباح كنت أجلسُ في الحديقة أحدثُ الأزهار، كثيرون كانوا ينْعتونني بالمجَنونة حين أفعل ذَلك و ليس هذا في الإمارات فَقط؛ اقترب مني يوَمها خلسة و قال بسِخرية" إذا ابنَتُ العَم الإماراتية مَجنونه و تحُدث الأزهار؟".
فاجأني بوجودهِ لجواري دون أن أنتبه لهُ و بِكلامهِ المُهين. و كما هي عادتي لم أرد عَليه و سارعتُ لمغادرة الحديقة، لكنه استوقفني راكناً جِسمة في طرَيقي، بدى لي فتىً في العِشرينيات من عمُرة دسَ أصابعهُ بينَ خِصال شعرة ثم ابتسم قائلا "إذا لن تُسلمي عليّ أو حتى تُخرجين لي لسَانك كَما كنت تفعلين حِين كنتي صغيرة؟..لكم أحبُ رؤيتك غاضبة".
تودت وجنتاي خجلا و قلتُ بتلعثم"حقا أنا أسفه ".

التقطَ وردة من الباقةِ التي كُّنت قد قطفتها و وضَعها بين قَواطع أسنانه ثم قال "أتيت لأخبركِ أنكِ غدا ستذَهبين معي الى الجامعة فقد كَلفني جدي بإتمام اجرائات نَقلك، وقد كُنت بالجوار فأحببت أن أمر على جدي لأطمئن عَليه " عَضّ على ساق الورده بإبتسامة ثم غادر ملوحا بيده قائلا "أنا مازن ..مازن إبنُ عمكِ كامل".
ظلَ ذلكَ الفتى يشغَلُ تفكيري طويلاً، لكنني لا أذكر أنني رأيتهُ قبلاً، أنا أصلاً لا أذكُر طفولتي فمن هذا لأتذكره؟
في اليوم الأول لي في الجامعة الجديده غيرتُ من نمط ملابسي الخَليجي، كي أكون أنا، بجنسيتي المصرية التي لا تكاد تبُصر فيّ .. راجية أن تتغير نظرتُ الناس تجاهي.

كل من كان يراني يتفاجأ بهذه الحلة الجديدة، إلا مازن فما إن رآها حتى انفجر من الضَحكِ قائلاً "مهما فعلت فليست ملابسك هي التي تجعلك مصرية، ملامحك ذاتها و حركاتك الطفولية و برودك و هدوئك كلها ليست من صفات الشعب المصري .."
في كل كلامه كان يتعمد إغضابي، لم أستجب لرأيه و لم ألقي له بالاً بل تجرأت على الرد عليه قائلة "أن آمال -مدبرةُ المَنزل- أعجبتها و لا يهمني راي من لا يعرف سوى الأسود و الرصاصي من القمصان".
ابتسم بطرف فمه حينها و لم يَجرؤ على الرد، ثم سبقني إلى السيارة.

و في الجامعة انزويت وحيدةً بعيدًا عن جموع الطلاب.كل من كان يقترب مني و يبادلني الحديث كان يسألني نفس السؤال "أنتِ من هنا؟" و ذلك بسبب لهجتي غير المتقنه و التي اصطنعتها مخبئة بها أي شيء قد يجُرني لأقلب صفحات المَاضي.
وفي كل مره كان لي نفس الجواب بالنبرة الغاضبة"أنا مصرية و لكنني عشت في الإمارات ولهذا لست أتقن اللهجه فاعذروني".

تلك المشكله جعلتني أفضل الخلوه فلستُ أريد أي شيء يربطني بالماضي، كما أنني لم أجد من يشاركني ذات الإهتمامات كي أرتبط بهن بعلاقة صداقة.
لكنهُم كانوا دائماً ما يلتفونَ حولي طالبينَ مني أن أتحدثَ معهم عن الإمارات، و كان حديثي عنها يُبهرهُم، حتى بدت في أعيُنهم جنةُ اللهِ في الأرض!
و لابُدَ أن العيب مني أنا؛ فأنا من كانَ يصفها ببَذخ، لكن برَبِكُم و هل يفعلُ من يعشَقُ غيرَ ذلك؟


دعَونني الفتيات مرةً للغَداء في إحدى المَطاعِم القَريبة من الجامعة، بدت لي فكرةً جيدة فمن جهةٍ أختلطُ بهِم أكثر و من جهة أخرى أتَهربُ من مازن و الذي كانَ يُقِلني كُلَ يومٍ من و إلى الجامعة؛ فأنا لم أعتد على أن أرافقَ فتى، و كذلك مزعج!
الغداءُ كانَ يضمُ زميلتينِ لي في الجامعة و صديقةٍ لهما، كانتا قد اتفقتا معها على اللقاء في المَطعم، بدت لطيفةً بالنسبةِ لي تبادلنا أطرافَ الحديث عن الحَياةِ الجامعية الجَديدة، و حينَ هَممنا بطَلبِ الغداء اختارت الفتاة طبقاً غريباً دفعني الفضولُ لأسألها عن ماهيتهِ.
لكنها حدقت بي باستغراب، ثم ضحكت خفيةً، فردت عليها احدى صديقاتي"ترجمِي لها فَهي إماراتية و لا تعرفُ الأطباق المصرية؟"
تمنيتُ حينها لو أن أذنايّ صُمتا، قبلَ أن تسمعانِ ما قالتهُ،.. اماراتية..؟!

لماذا ..لماذا لا يكفونَ عن ايلامي عن القائي كل لحظةٍ في بحيراتِ الضياع؟ عن رسمي بهيئة مسخِ الغُربة و الذي يجمعُ جنسيتين لا تطغى أحدُهما على الأخرى فيجعل هذا مني مسخاً؟
تحجرت دمعتانِ حارقتانِ في مُدخَل مقلتيّ حينَ أمسَكَ بساعدي و صرخَ بهِن ضارباً بكلماتِهِنَ عُرضَ الحائط "هي مصرية لأبِ و أمٍ مصريان .. "

ثم شَدني خارجَ المطعم ليدخُل بي إلى السَيارة و ينطلق بها وسَط سكونٍ عميق، ثمَ ما لبثَ أن أوقفها جانباً و أدارَ وجههُ صوبَ النافذة ثم قال " لا تكترثي لهن .. أما الآن فسأصحبكِ لمنزلي لأنني أريد أن أعرفكِ بوالدي، عمكِ مازن فبتأكيد أنتِ لا تَعرفينَه "هززتُ رأسي بإيجاب فانطلق.

كانَ عليّ أن أوجهَ لهُ و لو كلِمةَ شكر واحدة، لكنَني لم أفعل لربما هو كبريائي الذي منعني؟
بدى منزِلُ عمي كبيراً بحديقةٍ أمامية لا ينفَكُ المترُ فيها من أن تغزوهُ مجموعة من الأزهار، عَرضَ عليّ مازن جولةً فيها فوافقتُ و يا ليتني لم أفعل فلم يتوقف عن الثرثة عن اللحظات التي يزعم أنني قضيتُها معهُ في هذهِ الحديقة.
لن أكذبَ إن قلتُ أنهُ يحملُ لي ذكرى في كُل ركنٍ منها !

حينَ رأيتُ مُدخل المنزل انصرفتُ عن ثرثرتِه و توجهتُ نحوه ما إن حاولتُ ادارة مقبَض المنزل حتى فُتح تلقائياً ليخرُج من خَلفهِ رجلاً ضخمَ الجُثة ..لوحَ لمازن ثم غادر مُسرعاً حتى أنهُ لم يلمحني.
في حين كنتُ أنا أقاومُ الألم الذي نشبَ عن الذكرى التي عادت بشكلٍ فجائي لعقلي حينَ رأيتُ ذلكَ الرجُل، و التي أكدت لي أنهُ هو نفسُه من ألتَقيتُه في المطار و هو الذي تبادلتُ معهُ الحقيبة، و تبحثُ عنهُ الشُرطة.
سألتُ مازن عنهُ فأخبرني أنهُ ساعِدُ والدُهُ الأيمن.

حاولتُ حينها أن أرَكِبَ هذا على ذاك، لكن عقليّ لم يشأ أن يتقبلَ الفكرة.. و قبلَ أن أقابل عمي طلبتُ من مازن أن يعيدني إلى البيتِ بحجَةِ أن الصداع قد اجتاحني فجأة.
و ما إن عُدتُ الى المنزل حتى قصصتُ على جدي كل ما حدثَ فتفاجأتُ بهِ يبكي، و يُقرُ لي بكُل شيء قائلاً "عزيزتي .. نعم هو كذلك عملَ مهرباً للمخَدرات و عرضَ على والدكِ أن يعملَ معهُ، لكنهُ رفَض و قامَ بتهديدهُ بالإفشاءِ للشُرطَةِ عن مصدر رزقِ أخية"
توقفَ عن الكلامِ ملياً و قامَ بضربَ كرسيهُ المتحركُ بقبضَتهِ التي تثاقلت عليها العَبرات، ثم استأنفَ قولهُ" لكن كامل لفقَ لهُ تهمةَ سرقة لأموالهِ بغرض تهديده .. ثم تنازلَ عنها بشرط أن يتازل والدكِ عن قضيته؛ و لهذا سافر والدكِ إلى الخارج حفاظاً على عائلتهِ من أخيه، و من ذلكَ اليوم لم أره و...و.. لن أفعل"
شعرتُ حينها أنني أريدُ أن أحضِنَ جدي أن أشاركَهُ مشاعِر الحزن، ترددتُ في البداية لكنني كنتُ بحاجةٍ لذلكَ الحضن الدافئّ حينها.
بعد كُل ما عرفتُهُ كانَ عليّ أن أفكِرَ عما سأفعلهُ بشأنِ عمي، هل أبَلِغ عنهُ و ألقي بجدي و بالفتى الوحيد الذي ساعدني الى زاوية الحزن المظلمة؟ و تكونَ هذهِ هي شكراً التي صمتُ عنها طويلاً؟ أو أنسى كلَ ما قد حدث، و أبقى كشيطان أخرس، يسمَحُ للأيادِ السيئة أن تعبثَ دونَ أن يجعلَ لها حداً؟ في النهاية قررتُ أن أذهَب إلى عمي و أصارحَهُ بما عرفتُهُ و بأنني سأبَلِغُ عنهُ إذا استمرَ في عمله.
ما إن وصلتُ لمنزل عمي، استقبلني مازن بدهشة، و كما هي عادَتُه وضَع يدهُ في خِصالِ شعرةِ و أخذَ يضايقني قائلاً" هيا أخبريني كيفَ أتيتِ لوحدكِ إلى هُنا؟..أم كم مرةٍ ضعتي و سألتي مساعدةَ أحدهم على أن يدُلكِ الطريق؟" أماراتُ الحُزن و نظرات اليأسٍ المرتسِمةُ بوجهي ترجمها على أنهُ أحبطني بكلامهِ.لذلكَ غمزَ لي بإحدى عينيهِ ثم قال "رائعه ..".

غضِبتُ منهُ فعقدتُ حاجبي و بصورةٍ تلقائيه أخرجتُ لهُ لساني؛ فأنا لا أحبُ أن يتَمدحَني أحدٌ بشكلِ مباشرٍ هكذا .
فجأة وجدتُ الفرحَةَ تغمرهُ و تتطايرُ بهِ لسابعِ سماء، تساءلتُ في داخلي "لكن من ماذا ؟لا لا لااا.. مهلاً لقد فعلتها و أخرجتُ لساني له .." كساني قناعُ الإحْمِرار للدقائِقِ التي ظل فيها واقفاً أمامي يحاول كبتَ الضحكَة التي تأبى الُسُكونَ في فمِه،ثم انصرفَ تاركاً إياي في مكتبِ والده؛ِ ليُحضرَ العصير.

كان استقبال عمي لي جافاً بعض الشيء.. بدأ يسألني عن والدي و عن مستوى المعيشتنا في الخارج، لكنهُ لم ينتظر إجابة بل أردفَ قائلاً "ذلكَ الغبي عرضتُ عليهِ أن يعملَ معي لكِنهُ رفض !"
لم أحتمل أن أرى والدي يُشتَمُ من قبلهِ، فصرختُ في وجهه "ماذا غبيّ ؟..لما..لأنهُ رفضَ أن يعمَل مع تاجر مخدرات؟"
اتسَعت عيناهُ على مصرعيهما من هولِ الصدمة التي ألقيتها عليه، و التي اكتملت بقولي .. " لقد دمرتَ حياةَ والدي و حياتي .. فلقد حملتنا على السفر و جعلتَ مني ضائعةَ الهوية .. و الآن ها أنت ذا تذيقُ غيري السُم و تلقي بأبناءِ دولتي إلى الهَلاك .. نعم دولتي ..فأنا لستُ المسخ بل أنتَ هو ذلكَ الذي انصاعَ أمام وسوسةِ الشيطان و سمحَ للمال بأن يعُمي بصيرتَهُ عن حبِ وطنهُ ...."
كنتُ أريدُ أن أصبَ المزيد و المزيد من الكلماتِ المحترقة و التي تلهِبُ بلعومي في وجههِ لكن الغضَب كان قد اشتعلَ في جوفهِ و كأنهُ شعر أن الماضي يعيدُ نفسهُ أمامَهُ مجدداً فقرر أن ينهيه و للأبد.

تناولَ مسدساً من درجِ مكتبهِ و في ثوانٍ مرت ببطئ يومٍ صيفيّ .. كان مازن قد اقتحمَ الغرفة و رمى بنفسهِ أمام فوهةِ المُسدس ليسقُط جريحاً و أجثو أنا لمستواهُ و قلبي يستجيبُ لحالةِ الذعر بدقاتٍ مضطربة.
أما عمي فقد اسقط سلاحَهُ و انحنى على جسد مازن المُمَدد استجابةً لوقعِ الرصاصة في جسدِه و أخذَ يتَفحص علامات الحياة فيه. حاول مازن حينها فتح عينيهِ و تحريكَ وججهِ صوب والده و قال مُقاوماً للجَفافِ الذي أصابَ حلقهُ "لماذا .. لماذا ياوالدي؟"
ثم استدار لي بإبتسامتهِ التي عهدتها منهُ و قال "كبرتي يا ملك، و أصبحتِ أجمل و أشقى، اعذريني الآن علي أن أرحل"
وضعتُ اصبعي على فمهِ و بصوتٍ مخنوقٍ زَجرتهُ.. " لا ، لا تَقُلها "

أغمضَ عينيهِ و كأنهُ يريدُ أن يعيشَ الحاضر و لو للحظاتٍ في مُخيلتِهِ ثم أردفَ قائلاً "كم كُنتُ أتمنى أن أكونَ ملاذكِ الذي تبحثينَ عن الإستقرار على ضِفتهِ .. و أن أجعل لكِ من حضني دولتَكِ الخاصة يا ملك".

7 أكتوبر 2011

طفلةُ العِشرون

 
أشعر بمشاعر سلبية تجتاحني مؤخراً .. تجعل من أفكاري لوحة سريالية لا أستطيعُ تفسيرها.. لطالما علمت أن غريزة التطلع تنبضُ فيَ بصورة جنونية حينما أرغبُ في أن أثبت وجودي .. لكن الآن هذهِ الغريزة تلقي بي إلى أفكارٍ أخافُ أن تكونَ كما أتصور " أفكار الغيرة من أختي " !!

طوال حياتي كنتُ الوحيده المُدلله و المُفضله لأبي، لكن الآن أجدُ أهتمامهُ بها فاق إهتمامهُ بي .. هي غيره صحيح ؟

لربما أنني لم أنضُج تماماً لأمحو هذهِ الوساوس .. لكن خالي و أعمامي و جدي حتى صديقاتي صرن يسألنني عن أسماء قبل أن يطمئنن عني.. أعلم أنها هي الآن في مرحلة انتقاليه صعبه يجبُ أن يكونَ الكُل معها فيها .. لكن أنا يصعبُ عليّ أن أفقد الإهتمام هكذا و بدون سابق إنذار، يصعبُ عليّ أن يقول لي جدي " هي أفضل منك " .. أن تقول لي جدتي هي أجمل منكِ " أن يقول لي أبي " هي من ستحقق حلمي ".


ليست غيره أبداً .... في قرارة نفسي أعلم أنها ليست غيره لكنها مشاعر طفلة تتمنى أن يمتدحها أحد لتداري الثقب في فجوة أفكارها و الذي زعزع ثقتها بنفسها و بمشاعر من حولها تجاهها.

أحتاجُ و بقوة الآن أن يُقال لي " سمر أنتِ رائعه !! "


حقاً أنا طفله لأذكر كل هذا لك سيدي القارئ .. لكن القلم يجتذب الكلمات من قلبي و دون أن أشعر.. أنا سيئة لأفكر بهذهِ الطريقة.. لا أجدُ الراحة في فراشي هذهِ الليله \ لكنني سأحاول الهرب للنوم بأي طريقة.

6 أكتوبر 2011

جاهلٌ يتحدث فاصفحوا يا سادة

اليَومُ هو اليوم المُقابل لحرب العاشر من أكتوبر.. ستصدقُ إن قلت لك أنني لا أعرفُ عن هذه الحرب سوى اسمها ! أنا لا أعرفُ عن التاريخ المصري إلا رؤس أقلام ؟ و لا أعرفُ من نشيدها الوطني إلا مقطع البداية؟,, أحياناً تلومني نفسي فأفتح كتاباً لها و لكنني أعودُ لأغلقهُ قبل أن أنهي صفحتهُ الأولى حتى ..

بلادي مصر لأ أدري حقاً أأنا أحبكِ أم أكرهُك.. أأكرهكِ لأنك أسقيتني الغُربة و لا تزالين تحتلين المراكز الأولى في تهريب أبنائك؟ أأكرهُك لشعبك الذي انتحرت منهُ الأخلاق و إنعدم أمانهُ بينه و بين نفسهِ ؟ أأكرهُك لأنكِ لا تقدرين يداً سفلى فتطعمينها. أم عليّ أن أحبك لأنك ... !!!

لأنك ماذا .. ماذا فعلتي لي منذُ عدتُ لأرضك سوى أنك جرعتني الألم و الغٌربة مجدداً. قد أحبكِ إن عرفت أمجادك التي لا تنفك أذني تستمع لها من المارة و الرُكب.
لكنني لا أريدُ أن أعرف شيئاً.. أخشى أن أعرف فأقلبُ يداً بالأخرى و أحوقلُ ألما مُضاعفاً على ماكان مني .. و منكِ .

2 أكتوبر 2011

روابة - عيناكِ يا حمدة

لطالما كان العمل الأدبي الأفضل برأيي هو الذي يؤثرُ في القارئ و يتركُ في ذاكرتهِ أثراً لا يُمحى، قرأتُ كثيراً من القصص و الروايات في حياتي، لكن واحده هي فقط التي جذبتني بشكلٍ جنونيّ .. إنها ( عيناكِ يا حمدة )

هذه الرواية قراتها مرتين .. و مستعدةٌ لأقرها للمرةِ الثالثه .. فأسلوب كاتبتها لا يُملُ منه ..تجعلك تضحك كلما ضحكت حمدة و تبكي كلما بكت.
أكثر ما اعجبني فيها هي فكرةْ دمج اللغة العربية بالعامية .. فقد كانت الحوارات بالعامية الإماراتية، و سرد القصة بالفصحى.

الرواية تحكي قصَة فتاة ولدت لأبٍ يبجل الذكور و يهمش الأنثى رزقهُ الله بتسع بنات، فعمد الزواج من أخرى حتى تحمل له هي بالولد، لكنه يذعر مجدداً حين يعلم أنها انثى عاشرة  هي حمدة.. فلا يرضى بهذا و يجعل من حمده ( حمد ) و أخبر الجميع انه أخيرا رزقَ بالولد، ثم و بعد 10 أشهر تعود الزوجه الثانية لتلد الولد و يعود حمد إلى ( حمدة )،  هو ما كان منه إلا انه افترى على زوجته و أخبر الناس أنها خافت من حديثهم فقامت بهذه الخدعة، لتمنعه من الزواج بثالثة.

ولكن الذي حمل إثر تلك المؤامرة هي حمدة، فقد حصدت تسمية “كذبة أمها”، والتي كبرت وهي تتجرع مرارته ومرارة تفضيل والدها لإخوانها عليها، ولكنها أبت حياة التهميش وطرقت باب الشوك، وهو عالم الأدب الذي فتحه أمامها خالها، فبدأ من هناك ميلاد حمدة الحقيقي الذي امتزج بحب طاهر عربد في نفس شاب يكبر حمدة بسنوات ( راشد ) ، ولكنه أغرم بعينيها، عيني حمدة!

لكن الأب كان دائما ما يمنعها من أن تطرق باب خالها القادم من مصر و يحملُ أفكاراً مغايرة لمجتمعه، فالفتاة بنظره ليست سوى خطيئة لا تُغفر له إلا بعد زواجها و ابتعادها عنه، و حين يعلم أن حمدة فتحت عينيها على عالم الأدب و بدأت تكتب لا يكونُ أمامهُ سوى أن يجرها من شعرها و يلقي بكتُبها بين ألسنة النيران المشتعلة رُغم توسلاتها المستميته.

ثم تمضي الأيامُ و يخرج الأب برحله عمره و معه زوجته و حمد، و هنا يتغيرُ مجرى القصة ففي طريقهم تعرضوا لحادث أودى بحياة أم حمدة و أخوها حمد فيما يبقى والدها حياً مُقعداً، و لا يجدُ أحداً يهتمُ بهِ سوى حمدة.

و بعد أيام يعود راشد لحمدة مُبشراً أنه سيأخذها الى مصر ليكمل دراسته هناك، لكن حمدة تتخلى عن مشاعرها و عن كل شيء حلمت به معة، لتبقى الى جانب والدها.. فيرقدُ راشد على الجانب الآخر من الباب يبكي بُعدها.
 

ورغم أنها تجربة آمنة المنصوري الأولى، إلا أنها تحمل نضجاً روائياً لافت للنظر، فقد وظفت مسألة تبجيل الرجل في قالب روائي مشوق. كما أن الرواية تحمل عبق الحياة الاجتماعية القديمة بكل ما تحمله من بساطة وتماسك أبدعت الكاتبة في تصويره، بل وتوظيفه في قالب روائي جميل.

30 سبتمبر 2011

دمعُك أختي يَفنى يُفنيني ..


لا شيء يفطرُ قلبك أكثر من أن تسمعَ أنيناً مكتوماً يتصاعدُ من غُرفةِ أختِك كُلما اقتربتَ منها .. و لا تملكُ أنت الا دمعاتٍ حارقة تُشعلُ مُقلتيكَ ليل نهار إنفطاراً على ضعفكَ و قلةَ حيلتك، و مع ذلك تُصرُ على أن تكبتَ الدمعة في محجرها لكي لا تلمحها هيّ فتكتمَ العبرات التي تقفزُ ألماً و ظُلما من عينيها .. قد تضحي حينها بعينيك لتنفجر فيها الدموع داخلياً على أن تحتفظ هي بدمعها .. و تكتم ألمها و تصهر خافقاً قد يتوقفُ من فرط الألم الصامت ..

لا أدري لمَ هذهِ العصبية التي ترافِقُ كُل تصرفاتي في الآونه الأخيرة، أحاول أن أهدأ نفسي لكنني لا أستطيع .. قد يبدوا سهلاً عليك إطفاء احتراق ذاتك.. أما إحتراقَ أقربُ الناس إليك يجعلكَ تحترقُ تلقائياً بلا موعدٍ للإنطفاء..

فقدتُ صديقتين بسبب هذهِ العصبية، و أسأتُ التصرف مع شخصٍ لا يهمني أمرهُ، لكن مع ذلك فأنا لم أعتد أن أتصرف بهذا السوء مع أي أحد، لكن حالياً لا أجد إلا كلمات الإعتذار تتردد بيني و بين نفسي لهُم ..

أكرهُ في نفسي أنني كُلما أخطأت لا يتوقف حريقٌ في ذاتي إلا بعد أن أصلحَ الخطأ، أنا الآن أتعذب لأنني لا أعرفُ كيفَ أصلحُه، لم يعُد يهنئ لي النوم و لا الحياة حتى ..
أريدُ فقط أن أعتذر لكُل الناس .. لصديقتيّ ، لأعبقر، لأختي لأنني من سجل لها التنسيق و وضعت لها رغبةً في غير موضعها ..

أريدُ أن أعتذر لأمي لأنني حطمتُ آمالها يوم فشلتُ في دخول الكلية التي أرادت مني دائماً، أن أعتذر لأبي لأنني لست طفلةً مثالية، أريد أن أعتذر من كُل من عرفوني لأنهم عرفوني ..

أروة لن أجد مثلك مهما بحثت، آسفه لأنني لست صديقة جيدة، ضُحى أنت تبتعدين عما عرفتهُ عنك دائماً لم تعدُ تصرفاتُك الأخيره تعجبني و لا أظنها تروقك .. ستكتشفين هذا مع الوقت فقط .. أظنُ أنكِ لا تحتاجينني ففقط أنا من كان يلجأ إليك دائماً، و لهذا سأبتعد.

يا رب اغفر لي حماقتي ..
شُكرا للقَلم الذي يُبكيني و أبكيه معي و يحتملني رُغم حماقاتي